17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف | الدهشة فى بيت عبد الناصر

إيقاع مختلف | الدهشة فى بيت عبد الناصر

كان يوماً مختلفاً عما سواه من أيام، مجموعة من الشعراء والروائيين والنقاد مدعوون إلى متحف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فى مناسبة تكريم المتحف للصديق الشاعر الأنيق محمود حسن رئيس مجلس أمناء مؤسسة الكرمة للتنمية الثقافية.

الكلمات تتوالى فى القاعة الوسطى للمتحف متغنية بمثر عبد الناصر وإنجازاته، هذا يتحدث عن موقف عبد الناصر المنحاز لبسطاء الوطن المنصف لفلاحيه وعماله، وذلك يتحدث عن النهضة الصناعية العملاقة التى وضع أسسها من نجع حمادى إلى حلوان والتبين ومن أسوان إلى الإسكندرية ومن شبرا الخيمة إلى منطقة القناة، وهذه تتغنى بعروبة ناصر، وتلك تذكرنا بمكانة مصر فى عهده، هؤلاء يذكروننا بأن ستينيات القرن العشرين كانت درة التاج فى الثقافة العربية، وأولئك يحكون طرفاً من ذكرياتهم الخاصة حول ناصر و... و....إلخ .

ثم كانت اللحظة الأكثر إدهاشاً فى الليلة كلها، إنها اللحظة التى صحبتنا فيها الأستاذة نادية أحمد فى جولة ما بين مقتنيات المتحف، ووجدنا أنفسنا ندخل مكتب عبد الناصر الذى كان يمارس فيه عمله، ثم مكتبه الذى كان يستقبل فيه ضيوف الوطن، و بعدها غرفة نومه وغرفة الصالون الخاص بأسرته، هنا كانت الدهشة العنوان الأبرز للحظة، وكانت البساطة هى البطل الحاضر بقوة فى كل تفصيلة من تفصيلات المكان.

هل يمكن أن يكون هذا المكتب بالغ البساطة هو المكان الذى اتخذت فيه قرارات هزت العالم بأسره من أقصى مشارقه إلى أقصى مغاربه؟! وهل يمكن أن تكون هذه الغرفة بالغة البساطة هى التى شهدت لقاءات أهم زعماء العالم فى خمسينيات القرن الماضى وستينياته؟!

جهاز الراديو هو الملمح الأبرز فى كل ركن من أركان هذا البيت البسيط جداً جداً جداً. نعم أستطيع أن أقول مطمئناً: إن شقة أى شخص من زوار المتحف فى تلك الليلة تفوق هذا المكان ثراءً وفخامة وغنى، وقد خطر لى ساعتها أن هذا أمر طبيعى، فنحن فى القرن الحادى والعشرين، حيث صارت الدنيا غير الدنيا، وأنه ربما كان هذا البيت فخماً ثرياً غنياً بمقياس خمسينيات القرن العشرين وستينياته، لكننى سرعان ما تذكرت أننا كنا خارجين للتو من العصر الملكى بكل فخامته وأبهته وثرائه الطاغى، كما تذكرت أن أى فيللا صغيرة – ولا أقول قصرا- كانت تبدو فى أفلام تلك المرحلة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العصر كان يسمح لمن شاء وقدر أن يجعل من بيته ية من يات الفخامة والأناقة والثراء، وأن بساطة هذا المكان بساطة اختيار لا بساطة تفرضها ظروف العصر ومقتضيات الزمان.

تنقلت بعينىَّ بين الحضور فرأيت الدهشة ذاتها، لا أحد يصدق أن هذا المكتب الخشبى هو مكتب رئيس الجمهورية الذى يلهب مشاعر البشر فى كل أرجاء الدنيا، ولا أحد يستطيع أن يتصور أن هذه الستائر البسيطة أو هذه السجادة المتواضعة هى كل ما يحوى المكان من يات الترف والرفاهية.

انتهت الجولة بين المقتنيات، ولكن الدهشة التى أصابت الجميع لم تتوقف، صحيح أننا كنا قد سمعنا أو قرأنا عن بساطة حياة عبد الناصر إلا أن من سمع أو قرأ ليس كمن رأى أو عايش.